حول تصريحات الرئيس الإيراني

نستطيع أن نتفهم أجندة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان بالتقارب مع الولايات المتحدة، فهو ترشح وفاز على أساس العمل من أجل هذا التقارب، وربما يفتح بالفعل ثغرات في جدار العقوبات ضد بلاده. ليس متوقعا أن يمضي بزشكيان في مهمته دون مباركة المرشد الأعلى علي خامنئي، وقد يكون توقف إيران عن مهاجمة إسرائيل بعد اغتيال الراحل اسماعيل هنية في طهران، نتيجة مقاربة الرئيس الجديد، بموافقة المرشد بطبيعة الحال. الحاصل أن بزشكيان بدأ ولايته بطريقة لا يمكن لواشنطن إغفال جدواها في التقارب مع إيران، ومعالجة ملفات المنطقة بطريقة دبلوماسية، حينما تمكن من تعطيل رغبة بدت جامحة ولو في التصريحات فقط للانتقام لما وصف بشرف إيران، وهو ما اعتبر دليلا على قدرته المبكرة في السيطرة ولو نسبيا على الأطراف المتشددة ومنها الحرس. بطبيعة الحال، كان تخلي إيران عن الرد مدفوعا برغبة لعدم الدخول في حرب محتملة مهما كان السبب، لكنه أيضا كان نتيجة لطلبات أمريكية غير مباشرة أعلن عنها عدة مرات، ويبدو أنها نجحت. يوم أمس أضاف بزشكيان لهذا الموقف، مزيدا من الرسائل الايجابية تجاه واشنطن، فوصف الأمريكيين ب(الأخوة) وقال أن بلاده لا مشكلة لديها معهم. هذا بالطبع تحول مهم في الخطاب، بالانتقال من (الشيطان الأكبر) إلى (الأخوة)، ومن (الاستكبار العالمي) إلى تسوية الخلافات، وهو يعني أن أمريكا بالعرف الإيراني ليست عدوا، بل صديق ممكن، إن شاءت واشنطن ذلك. مرة أخرى، ذلك شأن إيراني، ومن حق طهران أن تفتش عن كل السبل للخروج من قيود العقوبات، لكن إيران التي تريد النهج الدبلوماسي مع أمريكا، ليست هي التي تعاديها من خلال أذرعها الممتدة عبر عدة دول. ولدينا في العراق واليمن مثلا عداءا صريحا للولايات المتحدة وتهديد مباشر بضرب مصالحها، وهؤلاء لا يعملون بشكل مستقل بطبيعة الحال، دون اعتبار طبعا لما يقولون أو تدعيه طهران أحيانا بعدم مسؤوليتها عن سلوكهم. والأهم هنا أن إيران بوصفها زعيمة (محور المقاومة) باتت تغرد خارج سرب العداء لأمريكا ومسؤوليتها عن المشاركة في الجرائم ضد غزة، لكن أذرعها ما زالوا يعتبرونها زعيم لهم في مواجهة إسرائيل وأمريكا وكلاهما بالطبع واحد، فهل هو انفصام من نوع ما أم تبادل أدوار لتحقيق مكاسب سياسية؟. الأدق هو الثاني طبعا، لكن المشكلة أن جزءا من الناس، وطائفة من (النخب) مازالوا يعيشون هذا الانفصام ويمنحون إيران الأمر ونقيضه، فهي عندهم، تعادي إسرائيل لكنها (شاطرة) في مجاملة أمريكا وربما كسب ودها. ذلك طبعا نمط من عبث وتدليس، وخداع للذات، فقط ليؤكدوا مصداق مابات غير صادق ولا دقيق ولاحقيقي مما اعتقدوا أو روجوا له من قبل. *من حساب الكاتب على منصة إكس شارك الخبر