"بنت العم" يناقش الميراث وحقوق المرأة في المجتمع المغربي | عبدالرحيم الشافعي

الرباط – تدور أحداث الشريط التلفزيوني “بنت العم” للمخرج حميد زيان الذي عرض ضمن برامج رمضان على القناة المغربية الثانية، حول قصة فتاة تجد نفسها محاطة بالطامعين بعد رحيل والديها، تاركيْن لها إرثًا كبيرا يصبح لعنة أكثر منه نعمة، حيث يتقدم ابن عمها كخصم يتربص بممتلكاتها، وينسج خيوط المكر ليستولي على كل شيء، في حين تختار الفتاة الفرار من هذا العبث، لتعمل خادمة بمنزل عائلة غريبة، طلبًا للسكينة.

يرتدي هذا العمل الدرامي أيضا عباءة الكوميديا الساخرة، وينتقد الجشع بابتسامة ماكرة، ويعد المشاهد بلحظات تجمع بين الفكاهة الخفيفة ولحظات الألم. وهو من بطولة كل من سحر الصديقي، ربيع الصقلي، عبدالإله عاجل، نجوم الزهرة، عبدالصمد مفتاح الخير، وهاجر عدنان.

ينبش السيناريو  جرحا اجتماعيا مغربيا مفتوحا، ويعري الصراعات التي تشتعل حول الميراث كالنار في الهشيم، ففكرة الفتاة المحاصرة بأقارب ينهشون تركتها ليست طازجة في الدراما، فقد دارت حولها كاميرات أفلام ومسلسلات عدة، تارة بتحويل الضحية إلى مجنونة بسموم الأدوية، وتارة بإخفائها في مسرحية موت مزيف، لكن شريط “بنت العم” يسلك طريقا أقل دراماتيكية ويكتفي بتصوير الطمع كوحش عائلي يترصد فريسته دون تعقيدات مفرطة، ليبقى أقرب إلى حياة الناس اليومية وهذا الاختيار يحمل نكهة الواقع، لكنه يفتقد إلى شرارة الفكرة الأصلية الجديدة التي كانت ستجعله يتجاوز أسلافه، فيبقى السؤال معلقا: هل يكفي تقديم الحقيقة عارية، أم كان ينبغي للسيناريو أن يرتقي إلى آفاق أكثر جرأة وتفردًا، أي لم يتطرق إليها أحد من قبل؟

ويحضر القفطان المغربي في نسيج الأحداث، يرتديه الممثلون كزينة تظهر ترف العائلة، وهو حضور منطقي وينسجم مع السياق الدرامي للأحداث دون أن يتحول إلى موضوع مسقط، وهو أيضا حضور يحمل صدى مألوفا، يذكرنا بأفلام درامية سبقته، حين كان القفطان رمزا للهوية أو التباهي الاجتماعي، بينما “بنت العم” لا يبالغ في استغلاله، ويتركه كلمسة خفيفة لا تغرق في التكرار الممل، لكنه لا يضيف إليه جديدًا يميزه، إذ يحتاج الأمر إلى تجاوز استعارة القفطان كديكور.

ويقف الممثل القدير عبدالإله عاجل في صدارة التشخيص القوي، ويحمل على كتفيه ثقل الصدف في تجسيد الشخصي، فأداؤه لا يعتمد على الحركات المفتعلة، ويجعلك تنسى أنك تشاهد ممثلاً، فتصبح أمام إنسان يعيش لحظاته بأسلوبه، كما أن الممثلة سحر الصديقي وعبدالصمد مفتاح الدين يتبعان خطاه، يقدمان أداء متينا ينسجم مع إيقاع القصة، ويضيفان طبقة من الإقناع إلى حبكة الفيلم، وهذا التجانس التمثيلي يرفع العمل ويجعله يتنفس الحياة على شاشة التلفزيون، خاصة في لحظات الكوميديا التي تتطلب خفة يد وتوقيتًا دقيقًا، بينما يعرف شريط “بنت العم”  نفسه كمرآة تبرز جانبا من وجه المجتمع المغربي بنقاط ضعفه وتناقضاته، إذ يسخر من الطمع بلسان فكاهي يخفف وطأة الدراما، ويبقى العمل  تلفزيوني مقبولا.

ويعيش المخرج السينمائي والتلفزيوني حميد زيان هذا العام تجربة غنية بثلاثة مشاريع فنية متميزة تمنحه ثقة كبيرة ودافعًا لمواصلة مسيرته في هذا المجال، إذ يتمثل العمل الأول في الفيلم الروائي الطويل “بنت الفقيه”، بطولة ابتسام تسكت وربيع القاطي، والذي يواصل عرضه في القاعات السينمائية، محققًا إقبالًا جماهيريًا ملحوظًا، أما العمل الثاني فهو الفيلم التلفزيوني “بنت العم”، من إنتاج القناة الثانية وتنفيذ محمد شهاب مع تلي برود، في حين يتمثل العمل الثالث في مسلسل “زواج ليلة تدبير عام”، من إنتاج القناة الأولى وتنفيذ عبدالرحيم مجد.

◙ من كواليس تصوير الفيلم

وكان زيان نفسه حاضرا بقوة خلال شهر رمضان على القناتين الأولى والثانية، إلى جانب تواجده في الساحة السينمائية، حيث يبرز الطابع الموسيقي كعنصر مشترك يضفي على هذه الأعمال تجاربه على مدار هذه السنوات من الخبرة، ففي “بنت الفقيه”، تلعب الموسيقى دورًا محوريا في سرد قصة فتاة من البادية تتحدى العادات والتقاليد لتحقيق حلمها وإثبات ذاتها كامرأة في مجتمع مليء بالتحديات، بينما يقدم “بنت العم” صورة إيجابية للمرأة المغربية من خلال نموذج الفتاة التي تواجه طمع ابن عمها في إرثها، فتهرب وتعمل كخادمة، مفضلة عيش حياة بسيطة على الرضوخ للتهديدات لتنتصر في النهاية وتستعيد كرامتها بدعم القانون.

ويناقش المخرج المغربي في مسلسله “زواج ليلة تدبيرو عام”، معاناة الشباب المغربي في مرحلتي الخطوبة والزواج، مستعينا بمجموعة من أبرز نجوم التمثيل في المغرب. تتمحور القصة حول شاب وفتاة يقرران تأجيل زواجهما لمدة عام كامل بعد الخطوبة، بهدف اختبار مدى انسجامهما في مواجهة تحديات الحياة اليومية، ما يقودهما إلى سلسلة من المواقف الكوميدية التي تعكس الواقع بطريقة طريفة وعميقة في آن واحد. المسلسل من تأليف الكاتب رشيد محمد الوافي، ويضم في بطولته أسماء لامعة مثل عبدالحق مجاهد، فتيحة واتيلي، ربيع الصقلي، فاطمة الزهراء قنبوع، عبير كروي، فرح كورديو، فاطمة ناجي، الغزواني عبدالرحيم، أحلام السعداوي، الكوميدي صويلح، وفاطمة وشاي، وعرض على القناة المغربية الأولى ضمن برمجتها الرمضانية.

ووصف زيان العمل بأنه كوميديا خفيفة تعتمد على المواقف أكثر من الحوارات المرتجلة أو الأداء المبالغ فيه، مؤكدًا أن الدراما الناجحة هي تلك التي تتسم بالصدق والعمق، وتتمكن من لمس قلوب المشاهدين وإثارة تفكيرهم، مبرزا أن الفكرة التي جذبت انتباهه في السيناريو تكمن في شرط الفتاة المفاجئ بتأجيل الزواج لاختبار خطيبها، لتكتشف لاحقًا أن العلاقات الإنسانية لا يمكن حصرها في اختبارات شكلية، وهو ما يعكس رؤيته الفنية في تقديم أعمال ذات بعد اجتماعي قريبة من هموم الناس.

كما شدد زيان على أن خبرته الطويلة في الدراما الإذاعية، من خلال عمله مع الفرقة الوطنية للإذاعة والتلفزيون المغربية، عززت اهتمامه بمواضيع تصل إلى أوسع شريحة من الجمهور، مثل الزواج الذي يمثل قضية تهم الجميع، مضيفًا أن اختيار الممثلين تم بعناية لضمان الانسجام والمصداقية في الأداء، بمساندة طاقم تقني محترف.

ويمتلك حميد زيان مسيرة فنية غنية تمتد عبر مجالات متعددة، حيث يجمع بين الإخراج والتمثيل بمهارة ملحوظة، تاركًا بصمة واضحة في الساحة الفنية المغربية. في الدراما التلفزيونية، أبدع في تقديم أعمال مثل “زواج ليلة تدبيرو عام” و”بنت العم”، وهو شريط تلفزيوني يمزج بين الكوميديا والدراما، إلى جانب أعمال أخرى بارزة مثل “راضية”، وهو أول مسلسل أخرجه، و”شهادة ميلاد” بجزأيه، “التكريم”، “تبدال المنازل”، و”الشياطين لا تتوب”، التي تعكس تنوع رؤيته الفنية وقدرته على تناول قضايا اجتماعية بأساليب مختلفة.

وقدم حميد زيان الفيلم السينمائي “بنت الفقيه” الذي حظي بإقبال جماهيري لافت، ويعمل حاليًا على تحضير فيلم جديد يتناول قصة رياضية سيُصور بين المغرب وبلجيكا، ليبرز طموحه في استكشاف مواضيع جديدة بعيدًا عن الإطار التقليدي، وبدأ زيان مسيرته كممثل في أعمال مثل “عفاك أ بابا”، “جنتلمان”، “شهادة حياة”، و”الخطاف”، قبل أن ينتقل إلى الإخراج ويثبت قدرته على تقديم رؤى إبداعية متميزة، كما تألق في الدراما الإذاعية من خلال إنتاجات صوتية مع الفرقة الوطنية للإذاعة والتلفزيون المغربية، موجهة لجمهور واسع، مما عزز من مكانته كفنان متعدد المواهب.

ويرى زيان أن أعماله تهدف إلى تقديم رسائل هادفة، كما في “زواج ليلة تدبيرو عام” الذي يوجه نصيحة للشباب بضرورة التفاهم في فترة الخطوبة، مؤكدًا أن نجاح العمل يكمن في قربه من الجمهور  من خلال أسلوب كوميدي  يحمل في طياته تأملات اجتماعية عميقة.

ويشعر زيان برضا نسبي عن نجاح هذه الأعمال ونسب المشاهدة المرتفعة، معتبرًا أن اجتهاده وخبرته ساهما في كسب ثقة المنتجين والجمهور في مجال يبقى محفوفًا بالمخاطر والتحديات، ويستعد حاليًا لتصوير الجزء الثاني من المسلسل الأمازيغي “آفادار” (الصبار) للقناة الأمازيغية بالتعاون مع عبدالرحيم هربال، بالإضافة إلى تحضيره لفيلم سينمائي جديد بعنوان “رابحة في بروكسيل”، سيتم تصويره بين المغرب وبلجيكا خلال الصيف المقبل.

 

Source link