ضياع الفرص أمام الحكومة الشرعية.. إلى متى؟

منذ الانقلاب الذي نفذته مليشيا الحوثي على الدولة اليمنية في سبتمبر 2014، توالت أمام الحكومة الشرعية العديد من الفرص التي كان يمكن أن تُشكل نقطة تحول حقيقية في مسار معركة استعادة الدولة وتحرير العاصمة صنعاء. غير أن هذه الفرص، للأسف، ضاعت واحدة تلو الأخرى، نتيجة غياب الرؤية الموحدة، وضعف التنسيق، وانشغال أطراف داخل الشرعية بأجندات هامشية أو مصالح ضيقة، فضلاً عن التأثيرات الإقليمية والدولية التي لم تُستثمر بما يخدم المصلحة الوطنية العليا. لا يمكن أن ننسى ما حدث عقب إطلاق عملية “عاصفة الحزم”، حين تم دحر الحوثيين من عدن، ولحج، وأجزاء من تعز، ومأرب. كانت تلك اللحظة فرصة ذهبية لاستعادة باقي المناطق واستثمار النصر العسكري، لكن التقدم تعثر، وبدلًا من استكمال مشروع التحرير، انزلقت الشرعية إلى صراعات داخلية وخلافات بين مكوناتها، وغياب في الفاعلية والتنسيق. وفي الوقت الذي كانت فيه مأرب تمثل خط الدفاع الأول ضد المليشيا، ظل الدعم دون المستوى المطلوب لخوض معركة تحرير ناجزة، طالت المواجهات التي سيطر عليها طابع معارك الاستنزاف أكثر من كونها معارك تحرير، ما أدى إلى تراجعات كبيرة وخسارة مواقع استراتيجية في جبهتي نهم ومارب خلال عامي 2020 – 2021. اليوم، ومع دخول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على خط المواجهة المباشرة ضد الحوثيين الذين باتوا يهددون الملاحة الدولية في البحر الأحمر، تتجدد فرصة نادرة أمام الحكومة الشرعية. فالضربات الجوية المتكررة التي تستهدف مواقع حوثية في الحديدة وصعدة وغيرها، أضعفت قدرات الجماعة بشكل ملحوظ. ورغم أن الدافع الأساسي لهذا التدخل الدولي هو حماية المصالح الغربية، لا دعم الشرعية، إلا أن الذكي هو من يستثمر هذه اللحظة لتوجيه ضربة استراتيجية من الداخل. إنها فرصة لتنسيق تحرك عسكري شامل يعيد ترتيب أوراق المعركة ويضع الحوثيين تحت ضغط مزدوج، دولي ومحلي، بما يخدم الهدف الرئيسي لليمنيين المتمثل في استعادة العاصمة وإنهاء الإنقلاب وكل ما ترتب عليه من هيمنة مشروع مليشيا الحوثي على أجزاء واسعة من البلاد. لكن ما يثير القلق أن هذه الفرصة، كسابقاتها، توشك أن تضيع. لا وجود لتحرك سياسي يعكس نية جدية للاستفادة من الوضع، ولا خطوات عسكرية ميدانية ملموسة. الجبهات متوقفة، والقرار السياسي مرتبك، والشرعية لا تزال عاجزة عن توحيد صفوفها أو تحريك أدواتها. الوقت يمضي، والحوثي يعيد ترتيب أوراقه، ويستغل الضربات الخارجية لتعزيز خطابه الدعائي بـ”مظلومية وطنية” زائفة، مدعيًا “الصمود أمام العدوان الأمريكي ونصرة غزة من صلف العدوان الإسرائيلي مما يعزز تعبئته الداخلية ويطيل أمد المواجهة. ينبغي على الحكومة الشرعية أن تدرك ما يحدث في المنطقة والاستفادة من تجاربهم. في سوريا، ورغم البطش والدموية التي انتهجها نظام الأسد، استطاعت قوى الثورة أن تلملم شتاتها وتلتقط اللحظة وخاضت معارك خاطفة أربكت الخصم وتمكنت من دحره والوصول إلى دمشق، والأهم أن المعارضة، التي وصمت سابقاً بالتطرف لارتباط بعض فصائلها بتنظيمات مصنفة دوليا كإرهابية، تمكنت من إعادة تشكيل نفسها، لتصبح طرفًا شرعيًا يتعامل معه المجتمع الدولي كشريك لإنهاء الأزمة السورية التي امتدت لحوالي عقد ونصف من الزمان. إن الذكاء السياسي وحسن إدارة اللحظة هو ما حوّل بعض قوى الثورة من متهمين إلى شركاء. فلماذا لا تستفيد الشرعية اليمنية من هذا النموذج؟ أما في السودان، فلنا درس عسكري هام، فقد استعاد الجيش السوداني الخرطوم بعيداً عن الإملاءات والأجندات الدولية. من يملك الأرض ويتحرك بسرعة في لحظات الاضطراب، يفرض واقعًا جديدًا قد يصعب تغييره لاحقًا، حتى لو لم يكن يمتلك الشرعية السياسية. إذا ضاعت هذه اللحظة، فإن الحوثيين قد يستعيدون توازنهم ويحوّلون الهجمات الدولية إلى وسيلة لإعادة حشد أنصار جدد، وكسب التعاطف، وفرض معادلة تفاوض جديدة على الأرض. كما أن المجتمع الدولي، الذي بدأ يتململ من حالة الجمود، قد يُعيد النظر في جدوى دعم الشرعية، إذا لم يلمس منها أي مبادرة أو استجابة فاعلة. أمام الحكومة الشرعية الآن مسؤولية تاريخية لا تحتمل التأجيل: 1. تشكيل غرفة عمليات مشتركة تضم كافة القوى الفاعلة على الأرض، وتخطيط هجوم عسكري متزامن مع الضربات الدولية. 2. تحرك سياسي ودبلوماسي مكثف نحو الولايات المتحدة، وبريطانيا، ودول التحالف، لتنسيق الجهود وضمان التكامل. 3. إعادة تنشيط الجبهات المتوقفة في مارب والجوف، وصعدة، وحجة، والساحل مستغلة حالة الإنهاك التي يعانيها الحوثي. 4. إطلاق حملة إعلامية ممنهجة تكشف جرائم الحوثي وتُظهر للعالم أن هناك طرفًا شرعيًا فاعلًا يستحق الدعم. 5. إعادة ترتيب الصفوف داخليًا وتجميد الخلافات، ولو مؤقتًا، تحت مظلة الهدف الأكبر: استعادة الدولة. إن الفرص لا تتكرر كثيرًا في مسارات الحروب والسياسة. وما نشهده اليوم من تحولات دولية تجاه الحوثيين، قد يكون آخر الفرص الذهبية أمام الحكومة الشرعية لتستعيد زمام المبادرة. وإن لم تتحرك الآن، فقد تجد نفسها خارج المشهد تمامًا، تتفرج على ترتيبات لا مكان لها فيها. فهل ستفعلها هذه المرة؟ أم أن مسلسل ضياع الفرص وانتظار مفاجآت القدر سيبقى عنوان المرحلة حتى النهاية. * (المصدر أونلاين) شارك الخبر