#1
|
|||
|
|||
لا تشعر بالطمأنينة التامة تجاه أي شيء
لا تشعر بالطمأنينة التامة تجاه أي شيء
لماذا يجب أن تشك وتشكك ؟ لأن عقولنا مَبنيّة بشكل يجعلنا ندرك أشياء محدودة للغاية مما يدور حولنا. وفوق أننا ندرك جزءً محدوداً للغاية، فإن طريقة معالجة الحقائق المُدركة معرّضة كذلك للكثير من الأخطاء التي نقع فيها بدون وعي. هذا سقفنا الذي نستطيع الوصول إليه ولا يمكن أن نتجاوزه بعقولنا التي نملكها حالياً بحال من الأحوال. لهذين السببين الأساسيين يجب أن تشك وتشكك كذلك. سأتجاوز الحديث عن إدراكنا المحدود -والذي تمثّله الدائرة في الصورة أعلاه- لأنه غني عن الوصف. فالعين البشرية ترى طيفاً محدوداً من الألوان، وكذا الأذن لها مجال محدد لسماع الأصوات وكذا طيفاً محدوداً من الموجات الصوتية وإلى غير ذلك من المعلومات التي عرفناها وخبرناها بالتجربة. فماذا عن معالجة المعلومات البسيطة التي ندركها ؟ هذا الموضوع بالنسبة لي أكثر إمتاعاً. فنحن لا يمكننا أبداً الإفلات من قبضة الانحيازات الإدراكية*والتي يبدو -وأقول يبدو- أنها جزء من تركيبة أدمغتنا. فنتأثر مثلاً -لا شعورياً – بالانحياز التأكيدي وهو الذي يصف ميلنا الدائم إلى تفسير المعلومات والحقائق الجديدة بما يؤكد تصوراتنا المسبقة عنها، وهذا الانحياز لا يمكن أن يسلم منه أحد. وفي أحيان كثيرة حتى لو انتبهنا للانحياز التأكيدي وتوخّينا الدقة في أحكامنا فإننا لن نسلم من تأثير التأطير المعروف في علم النفس أيضاً والذي ينص على أن ردود أفعالنا (وإدراكنا بالطبع) يختلف بحسب طريقة عرض المسألة أمامنا بشكل ملحوظ و واضح جداً. هناك قائمة في ويكيبيديا الإنجليزية بها عشرات (لا أملك الوقت لعدّها فعلا) من الانحيازات الإدراكية المختلفة والمتنوعة على هذا المنوال. غير قصة الانحيازات الإدراكية، هناك النسبية اللغوية التي تجعل أفكارنا إلى حد كبير متأثرة بلغتنا التي نتحدث بها. ربما ليست اللغة فحسب بل كل تجربة سابقة مررنا بها تساهم بشكل معين في التأثير على أفكارنا الحالية. فنحن “فريدون” جداً بشكل لا يمكن أن يتكرر. بما يطرح السؤال الذي يربطنا بالموضوع الأساسي: ماهي الحقيقة إذن وأين هي ؟ تحاول العلوم الطبيعية والإنسانية الإجابة عن هذا السؤال بأدواتها التي تم تطويرها على مدى قرون طويلة. كذلك فلسفة العلوم كعلم يبحث خلفيات العلوم نفسها وعن مدى “علوميتها” تبلورت خلال القرون الأخيرة – ومازالت – في نقد وتطوير الأدوات والمناهج المستخدمة في العلوم الطبيعية والإنسانية للوصول إلى حقائق أكثر حيادية وتجرداً. فربما كانت هذه الوسيلة هي الوسيلة المتاحة لنا كبشر على المستوى البعيد التي نتحرى بها عن الحقيقة ونقنع بها أجيالنا القادمة. مايهمني هو موقفي وموقفك على المستوى اليومي البسيط… الشك هو الوسيلة الوحيدة لتمحيص القصص والروايات والأخبار التي تمر بنا حتى نستطيع تحييد انحيازاتنا المسبقة. نبذل مجهوداً كبيراً في أن نشكك في فكرة تتسق مع فكرنا ومبادئناً تماماً وربما تحوّل إلى نوع من التعذيب، ولكن جحيم الشك ستكون أفضل بكثير من جنة الغفلة. فاليقين بدون الشك هو جنة الغافلين. إياك أن تشعر بالطمأنينة التامة، هي الوصية الأولى ضمن الوصايا العشر التي اقترحها برتراند راسل للمُعلمين. سوف نستأنف الحديث مع الوصايا الأخرى في… “حواشي ابن حازم على الوصايا العشر لابن راسل” تدوينات أخرى: المصدر: Forums gh jauv fhg'lHkdkm hgjhlm j[hi Hd adx |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|