|
#1
|
|||
|
|||
تفسير...وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ..
تفسير...وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ..
[ سورة طه .. من الآية 115 إلى الآية 127 ] قال تعالى: { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا } أي: ولقد وصينا آدم وأمرناه .. وعهدنا إليه عهداً ليقوم به .. فالتزمه .. وأذعن له وانقاد .. وعزم على القيام به .. ومع ذلك نسي ما أُمر به .. وانتقضت عزيمتُه المحكمة .. !! فجرى عليه ما جرى .. فصار عبرة لذريته .. وصارت طبائعهم مثل طبيعته .. نسي آدم فنسيت ذريته .. وخطئ فخطئوا .. ولم يثبت على العزم المؤكد .. وهم كذلك .. وبادر بالتوبة من خطيئته .. وأقر بها واعترف .. فغُفرت له .. ومن يشابه أباه فما ظلم . { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى .. فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى .. إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى .. وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى .. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ؟؟ فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى .. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } أي: لما أكمل خلق آدم بيده .. وعلمه الأسماء .. وفضله .. وكرّمه .. أمر الملائكة بالسجود له .. إكراما وتعظيما وإجلالا .. فبادروا بالسجود ممتثلين .. وكان بينهم إبليس .. فاستكبر عن أمر ربه .. وامتنع من السجود لآدم .. !! وقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ! فتبينت حينئذ عداوته البليغة لآدم وزوجه .. لما كان عدوا لله .. وظهر من حسده ما كان سبب العداوة .. فحذر الله آدم وزوجه منه .. وقال: لا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى .. إذا أُخرجت منها .. فإن لك فيها الرزق الهني .. والراحة التامة .. إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى .. وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى .. أي: تُصيبك الشمس بحرها .. فضمن له استمرار الطعام والشراب والكسوة والماء .. وعدم التعب والنصب .. ولكنه نهاه عن أكل شجرة معينة فقال: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ .. *** يزل الشيطان يسوّل لهما .. ويزين أكل الشجرة .. !! ويقول: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ؟؟ أي: الشجرة التي مَن أكل منها خُلد في الجنة ! وَمُلْكٍ لا يَبْلَى ؟؟ أي: لا ينقطع إذا أكلت منها .. فأتاه بصورة ناصح .. وتلطف له في الكلام .. فاغتر به آدم .. وأكلا من الشجرة فسُقط في أيديهما .. وسقطت كسوتهما .. واتضحت معصيتهما .. وبدا لكل منهما سوأة الآخر .. بعد أن كانا مستوريْن .. وجعلا يخصفان على أنفسهما من ورق أشجار الجنة ليستترا بذلك .. وأصابهما من الخجل ما الله به عليم .. وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ! فبادرا إلى التوبة والإنابة .. وقالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ .. فاجتباه ربه واختاره .. ويسر له التوبة .. فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى .. فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها .. ورجع كيد العدو عليه .. وبطل مكره .. فتمت النعمة عليه وعلى ذريته .. ووجب عليهم القيام بها والاعتراف .. وأن يكونوا على حذر من هذا العدو المرابط الملازم لهم ليلا ونهارا ! يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ .. { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى .. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى .. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا } يُخبر تعالى .. أنه أمر آدم وإبليس أن يهبطا إلى الأرض .. وأن يتخذوا [ آدم وبنوه ] الشيطان عدوا لهم .. فيأخذوا الحذر منه .. ويعدوا له عدته ويحاربوه .. وأنه سيُنزل عليهم كتبا .. ويُرسل إليهم رسلا يبينون لهم الطريق المستقيم الموصلة إليه وإلى جنته .. ويحذرونهم من هذا العدو المبين .. وأنهم أي: وقت جاءهم ذلك الهدى .. الذي هو الكتب والرسل .. فإن من اتبعه اتبع ما أمر به .. واجتنب ما نهى عنه .. فإنه لا يضل في الدنيا ولا في الآخرة .. ولا يشقى فيهما .. بل قد هُدي إلى صراط مستقيم .. في الدنيا والآخرة .. وله السعادة والأمن في الآخرة .. وقد نفى عنه الخوف والحُزن في آية أخرى .. بقوله: فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ .. واتباعُ الهدى .. بتصديق الخبر .. وعدم معارضته بالشُّبَه .. وامتثال الأمر بأن لا يعارضه بشهوة .. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي .. أي: كتابي الذي يُتذكر به جميع المطالب العالية .. وأن يتركه على وجه الإعراض عنه .. أو ما هو أعظم من ذلك .. بأن يكون على وجه الإنكار له .. والكفر به .. فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا .. أي: فإن جزاءه .. أن نجعل معيشته ضيقة مشقة .. ولا يكون ذلك إلا عذابا ! وفُسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر .. وأنه يضيق عليه قبره .. ويحصر فيه ويعذب .. جزاء لإعراضه عن ذكر ربه .. وهذه إحدى الآيات الدالة على عذاب القبر .. والثانية قوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ .. والثالثة قوله: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ .. والرابعة قوله عن آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا .. قال على وجه الذل والمراجعة والتألم والضجر من هذه الحالة: رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ؟؟ في دار الدنيا .. فما الذي صيرني إلى هذه الحالة البشعة ؟؟ { قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى .. وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى } قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا .. بإعراضك عنها وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى .. أي: تُترك في العذاب .. فأجيب بأن هذا هو عين عملك .. والجزاء من *** العمل ! فكما عميت عن ذكر ربك .. وعشيت عنه ونسيته ونسيت حظك منه ..أعمى الله بصرك في الآخرة .. فحُشرت إلى النار أعمى أصم أبكم وأعرض عنك ونسيك في العذاب !! وَكَذَلِكَ .. أي: هذا الجزاء .. نَجْزِي .. به.. مَنْ أَسْرَفَ .. بأن تعدى الحدود .. وارتكب المحارم وجاوز ما أُذن له .. وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ .. الدالة على جميع مطالب الإيمان دلالة واضحة صريحة .. فالله لم يظلمه ولم يضع العقوبة في غير محلها .. وإنما السبب إسرافه وعدم إيمانه .. وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى .. من عذاب الدنيا أضعافا مضاعفة لكونه لا ينقطع .. بخلاف عذاب الدنيا فإنه منقطع .. فالواجبُ الخوف والحذر من عذاب الآخرة .. [ تفسير ابن سعدي ] اللهم إجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.. المصدر: Forums jtsdv>>>,QgQrQ]X uQiA]XkQh YAgQn N]QlQ lAkX rQfXgE tQkQsAdQ>> |
|
|